سفينة في مهب الريح
تبدأ أحداث المسرحية بعاصفة تهب على سفينة في عرض البحر تقل "ألونزو" ملك نابولي وابنه "فردينان" وأخاه "سيبستيان" و"أنطونيو" دوق ميلانو و"جونزالو" مستشار الملك، لتتحطم السفينة وتنتهي العاصفة بركابها إلى جزيرة "بروسبارو" النائية.
وتعرفنا المسرحية أن "بروسبارو" رجل عجوز يعيش مع ابنته الشابة الفاتنة "ميراندا" ويروي لها الأب كيف انتقلوا إلى هذه الجزيرة بعد مؤامرة من أخيه "انطونيو" لإقصائه عن عرش مدينة "ميلانو" واستيلائه عليها، وذلك نتيجة لإهمال "بروسبارو" لشئون ولايته واهتمامه بالسحر والمطالعة والقراءة أكثر من أمور المملكة فلاقى ما لاقى من الغدر، وتآمر أخيه "أنطونيو" مع ملك ولاية "نابولى" وطرده لمدة اثنى عشر عاما غريبا تائها في الجزيرة.
يقول لابنته: "..كان لى شقيق أصغر منى، يدعى "أنطونيو"، وثقت فيه وسلمته كل شئون الدولة ؛ ولما كنت شغوفا بالهدوء والدراسة العميقة، فتركت تصريف أمور الدولة لعمك، شقيقى الغادر أما أنا، فقد أهملت كل اهتماماتى الدنيوية، ودفنت نفسى داخل كتبى، وأعطيت كل وقتى لصقل تفكيرى، أيقظت في نفسه الشريرة، نزعة غرور ليسرق منى مملكتى، وسرعان ما نفذ ذلك بمساعدة "ملك نابولى"، وهو حاكم متسلط، كان عدوا لى".
وبعد مؤامرة اخيه، وجد "بروسبارو" نفسه برفقة ابنته "ميراندا" في "زورق لم يبق منه سوى هيكل متفسخ، لا حبال ولا أشرعة، ولا قلوع، ولا سواري، حتى الجردان كانت بالغريزة قد هجرته"، لكن لوردا طيبا من بلاطه، يدعى "جوانزالو"، وضع سرا في القارب، ماء وطعاما وملابس، ليرسو القارب على تلك الجزيرة النائية.
عالم جديد
شكسبير
هكذا ترك "بروسبار"، عالمه وشد الرحال مكرها إلى عالم الجزيرة التي كانت تحت سيطرة ساحرة تدعى "سيكوراس" وقد استطاع "بروسبارو" بواسطة ما تعلمه من فنون السحر أن يطلق سراح عديد من الجان الطيبين، التي قامت "سيكوراس" بحبسهم داخل جذوع أشجار كبيرة، لأنهم رفضوا أوامرها الشريرة.
وأصبح هؤلاء الرجال الطيبون في خدمته وكان من ضمنهم "آريال" الذي لا يعصي له أمرا، وهناك مسخ دميم يدعى "كاليبان" ابن الساحرة "سيكوراس" الذي كان يكره وجود "بروسبارو" في الجزيرة رغم عطفه عليه، إلا أن طبيعته الشريرة التي ورثها عن أمه "سيكوراس"، لم تسمح له بتعلم أى شيء طيب أو نافع، وهو الساكن الأصلي للجزيرة الذي اغتصبت أرضه، فأضحى عبدا بعد أن كان سيدا، يقول في غضب مخاطبا "بروسبيرو" المغتصب: "هذه الجزيرة لي، ورثتها عن سايكوراكس والدتي، وأنت أخذتها مني، عندما جئتنا أول مرة"، وقد حاول اغتصاب "ميراندا".
وتتكشف الأحداث لنعرف أن "بروسبارو" بواسطه سحره والجان استطاع أن يجعل هناك ثورة بموج البحر، ورأت ابنته الجميلة سفينة كبيرة تصارع الأمواج التي تكاد تبتلعها في أى لحظة؛ وقال لها أبوها، إن هذه السفينة تحمل أعداءه وهم ملك نابولي، وأخوه الشرير، وتلك العاصفة لن تمس أحدهم بسوء ولكنها ستجبرهم على الإلتجاء إلى شاطيء الجزيرة، كانت الابنة تريد من أبيها أن يضع حدا لمأساتهم الحزينة، فقد كانت السفينة على وشك التحطم إلى أشلاء .
عزيز قوم ذل!
بالفعل قذفت الأمواج السفينة فوق شاطئ الجزيرة المسحورة، فتحطمت، لكن "أنطونيو" أخو "روسبارو" الذي اغتصب عرشه وصل إلى الأرض سالماً ومعه حاكم "نابولى"، وكان "فردينان"، ابن ملك "نابولى" في السفينة مع والده، ووصل هو أيضاً إلى الأرض سالماً لكن في مكان يبعد كثيراً عن المكان الذي خرج فيه أبوه مع "أنطونيو".
وهكذا ظن "فردينان" أن والده حاكم "نابولى" قد مات غرقاً مع "أنطونيو" كما ظن حاكم "نابولى" أن ابنه قد مات غرقاً.
وتتوالى الأحداث لتقع "ميراندا" في حب "فردينان" الذي عامله والدها في البداية كخادم له وأمره أن يقوم بقطع الأخشاب اللازمة لإشعال النار، وأداء الأعمال الشاقة والمرهقة، الأمر الذي جعل قلب "ميراندا" ينفطر على حبيبها قائلة لوالدها: "..أعرف أن والد هذا الفتى إنسان شرير، لكن "فردينان" الابن ليس هكذا، أرجوك يا أبى لا تكن شديد القسوة عليه.. كن رحيما به ولا تؤاخذه بذنب فعله أبوه".
لكن "بروسبارو" أجابها غاضبا وقال "لماذا تطلبين منى أن أرحمه ؟! لم يكن والده رحيماً بى ولا بك، دعيه يشتغل حتى يسقط ميتاً من التعب".
أعداء في الجزيرة
أدرك "بروسبارو" أن أعداءه أصبحوا في قبضة يده، فنادى "آريال" خادمه من الجن وطلب منه أن يبحث عن أخيه "أنطونيو" وحاكم نابولى، ويجعلهما يضلان الطريق بدون طعام أو ماء وهكذا سقطا فوق الأرض.
وأخيراً قال لهما "آريال": ".. "إنك "أنطونيو" أخو "بروسبارو" لقد خدعته واستوليت على الحكم بعد أن طردته من ميلانو، وأنت حاكم "نابولى" لقد ساعدت "أنطونيو" على طرد أخيه، هذه هي جزيرة "بروسبارو" السحرية، وأنا خادمه المطيع"، وأخبرهما أنه في انتظارهما لتبدأ المحاسبة.
تنتهي الأحداث بأن يقر أخو "بروسبارو" وملك نابولي بفعلتهما وطلبوا منه أن يسامحهما ويبارك زواج "ميراندا" و"فردينان" الذي نجح في اختبار التحمل الذي أخضعه له "بروسبارو" ، ليقرر في النهاية أن يعفو عن أعداء الأمس وأن يتخلى عن قدراته السحرية الخارقة استعداداً للعودة إلى منصبه القديم، وتنتهي المسرحية بتساؤل "بروسبارو":
".. هل حقا اجتمع شملنا بعد زوال المحنة عنا؟ إن كل اتكالي هو على همتكم. وفيما انا اتهيأ للعودة، أحتاج إلى سواعدكم المفتولة لتؤازرني، ومتى برئت ساحتنا، سيُفك أسرنا وسننعم جميعنا بالمهادنة فهيا ننفض عنا غبار الماضي ونرحل من هنا سالمين".
على هامش النص
لوحة ميراندا والعاصفة
"العاصفة" بحسب النقاد ليست مجرد قصة أمير له قدرات خارقة فقد إمارته ثم استعادها، بل إنها مسرحية سفر، واستكشاف، هدفها أن تؤكد أن القوة والعلم من صفات الحاكم الرشيد، فالعلم دون قوة قد يحول الإنسان مثل "بورسبارو" إلى شخص منفي، والقوة بدون علم قد تحول الإنسان إلى "أنطونيو" المغرور الذي استولى على الحكم.
يذكر أن أحداث مسرحية "العاصفة" قد ألهمت عددا من الفنانين فصوّروا مشاهد منها في أعمالهم الفنية، لكن اشهر هذه الأعمال هي لوحة "ميراندا والعاصفة" للفنان البريطاني جون وليام ووترهاوس، في اللوحة تقف ميراندا وهي تنظر إلى السفينة الغارقة، مدركة أن سحر والدها هو الذي تسبب في إثارة العاصفة وتحطّم السفينة، تمهيدا لمجيء ركابها إلى الجزيرة ومن ثم إنقاذها هي وأبيها.