يا لهذا الصمت القاتل أحيانا
كيف يحرقنا ويؤلمنا ؟ كيف يقلقنا ويوترنا؟ كيف يجعلنا في حالة من الحيرة ؟
لا نعرف خلالها أ نحن على حق من تصرفاتنا
ام اننا مخطئون في حق انفسنا قبل ان نكون مخطئين في حق غيرنا
اني لا اتحدث عن الصمت كونه افضل من الكلام
فأحيانا يكون كذلك واحيانا يكون عكس ذلك
أحياناً تحتاجه بشدة كي تكتم غضبك وكي لا تتسبب في اذى نفسك قبل أذى الآخرين
وأحيانا تعتبره احد جوانب ضعفك الذي كثيرا ما اضاع حقوقك بل ابسط حقوقك
إنني لا اتحدث عن ايهما افضل
ولكني اتحدث عن سؤال محدد هو لماذا نصمت وما تأثيرات ذلك الصمت السلبية علينا؟
لكل منا ولا شك اسلوبه وتوقيته مع الصمت
ولكن تظل هناك عوامل مشتركة نختار على اثرها هذا الصمت تظل
هناك ظروف معينة هي ما تجبرنا على استخدام الصمت
فنحن نصمت احيانا خوفا من أن تفضحنا كلماتنا
خوفا من أن تخوننا عباراتنا
خوفا من ان نفهم خطأ من الآخرين
خاصة حينما تكون قسمات وجهنا وملامحه فاضحة
خاصة حينما نكون من النوع الخجول او الحساس
بل الاكثر من ذلك فنحن احياناً نشتاق جدا ونتلهف بحرقة كي نناقش شخصاً ما في موضوع معين يهمنا
نريد ان نأخذ ونعطي معه في الحديث لانه اقرب الناس الينا كونه يفهمنا ويقدر مشاعرنا ويراعي ظروفنا
حتى وهو بعيد عنا احيانا
نشتاق للحديث مع هذا الانسان ونتردد في البداية خوفا من شيء ما
ولكننا تحت وقع هذه الاشياء الجميلة التي لمسناها فيه نقرر الذهاب اليه او الاتصال به او الحديث معه
وكلنا رغبة صادقة في ان نتعرف على ذلك الانسان عن قرب في ان نشاركه همومنا في ان نناقشه اهتماماتنا
وحينما تحين تلك اللحظة ونراه امامنا او نسمع صوته ونتأكد انه هو بعينه
حينها يتبدل حالنا تتلخبط مشاعرنا تبرد اطرافنا ترتعد فرائصنا تتسارع دقات قلبنا يتلعثم صوتنا تخوننا عباراتنا
تنقلب ألوان وجهنا بكل ألوان الطيف ولا نشعر بأنفسنا سوى صامتين لا نستطيع التفوه بكلمة
فننهي الحديث نحاول الكرة مرة اخرى فيتكرر الموقف وربما قادنا ذلك الى الاعتذار منه او الخجل من انفسنا احيانا
بينما هذا شعور طبيعي جدا
وربما كان سبب هذا هو عدم الثقة في الآخرين حتى الآن وهذا شعور طبيعي أيضاً
وانا طبعا قد اتضايق من نفسى
ولسان حالى يقول في هذا الموقف: لا ليس مع هذا الانسان تتوقف يا لساني ليس مع هذا الانسان تنهي الحديث
وانت لم تبتدأ بعد لا تضيع الفرصة علي ولا تحرمني من أمنيتي ارجوك
ان مثل هذا التصرف كما ذكرت طبيعي
وربما مرده الى الخجل الذي يشكل شخصيتى على نحو لا يساعدنى على المواجهة والتعبير بحرية عما اريده
انها البيئة الاجتماعية والظروف المحيطة منذ نشأتى الاولى في حياتى
هي التي تجعلنى أتفهم الحياة المستقبلية بشكل افضل
وهي التي تساعدنى على ان أتعامل مع معطيات الحاضر وظروف المستقبل بشكل متزن ومريح بالنسبة لى
ولكن ما ينبغي الاشارة اليه
ان هذه الظروف ايضا لا ينبغي ان تقف عائقا امام ابسط حقوقى في السؤال عما اريده ومناقشة ما يدور في صدرى والتعبير عن الرأي الخاص بى
انا خاصة حينما يكون الطرف الآخر اوالاطراف الاخرى متفهمه لى مصغياً إلى
تنتظر منى ان ابدأ وأن اتقدم على الخطوة الاولى واقول ما اود قوله او التعبير عنه
ولكنها تظل على اي حال مسألة نفسية ا الا انها قابلة للحل ولو في اجزاء منها
خاصة حينما اعلم ان الطرف الآخر على استعداد تام للمشاركة في الحل في اي وقت وتحت كل الظروف
فاحيانا اصمت في مثل هذه المواقف غير المتوقعة
لاننى لم اكن اتوقع سماع صوت هذا الانسان او رؤيته
لأن الاحباطات التي اتعرض لها يوميا تجعلنى ان استكثرعلى نفسى حتى مجرد كلمة حلوة من الآخرين
او مجاملة لطيفة او تشجيع صادق
نعم انا اصمت احيانا رغما من هول الصدمة او المفاجأة سواء كانت صدمة سيئة او مفاجأة سارة لا اتحملها بمفردى
بل لا اتحملها كلها دفعة واحدة واريد من يجزئها لى كي استوعبها بل كي اصدقها
خاصة حينما تكون تلك المفاجأة هي الحلم الذي احلم به وأتشوق الى الحصول عليه وتملكه والاستئثار به
أنا اصمت لكي افكر كيف ارد على الآخرين وبأي اسلوب؟
اصمت لكي افكر هل الكلام مناسب في هذا الوقت؟ ام لا؟
وهل من هو امامي يستحق ان ارد عليه؟ هل يستحق أن اضيع وقتي معه؟
هل يستحق ان اعطيه اكبر من حقه حينما اقف معه واناقشه؟
اصمت لأن الصمت هو الوسيلة التي تغيظ غيرى وتجعلنى انتصر عليه
لاننى حينما ادير له ظهرى اكون قد ضربته في مقتل واشعره انه لا شيء وان كل ما يقوله لى لا يعني شيئاً
ولا يستحق منى ان اصغي اليه فما بالكم بالرد عليه؟
نعم انا اصمت بارادتى احيانا
لاننى لااريد ان اتحمل المزيد من الاهانات والاذلال وفرح المشاعر
والشعور بالدنيئه من اناس يعتقدون انهم كل شيء في حين أنهم لا شيء
واصمت احيانا اخرى رغماً رغم ما يحدثه ذلك من ألم في
اصمت حينما لااريد ان اخسر اقرب الناس إلى واعزهم الى قلبى
لأننى اخشى ان اتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة
فتحدث شرخا كبيرا في علاقاتنا قد تؤدي بها الى النهاية او قد تقودها الى الفتور
اصمت لاننى اريد ان احتفظ بهذه العلاقة الحلوة التي لم احس بطعمها من قبل مع اي انسان كائناً من كان
اتحمل ألم الصمت المر في سبيل شعورى بالرضا او احساسى بأننى حققت جزءاً ما
او على الاقل دافعت عن شيء يستحق ان ادافع عنه واحافظ عليه واتمسك به
وأحياناً وهذه هي المتعة اننى اصمت لكى استمتع بصوت ما احب سماعه ومعرفة اخباره
وحلاوة حديثه فانا لا اريد ان اتكلم بل ان اسمع و اسمع لاننى اريد ان اعرف كل شيء عنه
وأخيرا وليس بآخر فإننى اصمت من قهرى ومن قلة حيلتى
لعل من حولى يعرف ما بى لعله يحس بمشاعرى او على الاقل يتركنى وحدى
نعم أننى احتاج للصمت احيانا
حينما اريد ان اعيش بسلام وهدوء
حينما اريد ان اعيش لحظات صدق وتأمل ومراجعة مع النفس
اريد ان اعيش لحظات الماضي الحلوة بكل ذكرياته العبقة وبكل مواقفه الجميلة
اريد ان اتذكر اللحظات الاولى التي رسمت الابتسامة على شفتى
وأولئك الاشخاص الرائعين الذين ادخلوا السعادة لقلبى
اريد ان استعيد تلك اللحظات التي استرجعت فيها ثقتى بنفسى
وعرفت فيها مقدار وحجم ما بداخلى من طاقات وقدرات ومواهب جمالية حيانا الله بها
اريد الصمت كي استمع للآخرين بقلبى وعقلى
كي افهم ما يقولون
كي ادرك ما يقصدون
وكي ارد عليهم بأفضل مما يتوقعون
وكي اعطيهم اجمل مما يريدون
وكي اشعرهم ان هذا هو اقل ما يستحقون
لأنهم ليسوا اي اناس ومهما كانوا مترددين
ومهما كانوا غير واثقين بعد
ومهما كانوا خجلين لابد ان يشعروا بأننى متفهم لوضعهم
ومقدر لظروفهم
وما زلت على استعداد لسماعهم
والوقوف معهم
وكل هذا لأن الصدق الجميل الذي يمتلكونه يجبرنى على ان اعاملهم بهذا الاسلوب الراقي
وكل هذا لأن الروح الحلوة التي بداخلهم لابد ان تقابلها روح اجمل
وكل هذا لأن صراحتهم معى منذ البداية لابد ان تجعل مكانتهم في قلبى كبيرة
واحترامى لهم يتزايد
ويكفي ان اعرف اننى حينما اصمت احيانا
فإننى ابحث في قاموس مفرداتى اللغوي عن اجمل الكلمات واعذب العبارات
التي يمكن تقديمها لانسان استطاع بصدقه وعفويته وحسن استقباله وروعة تعامله ان يجعل منى اناساً آخر
يعرف طعم الحياة الحقيقي الجميل بعد سلسلة من الاحباطات والانكسارات التي كادت تهدم كل شيء جميل بداخلى وتحولنى الى مجرد حطام
ولما لا اكون انا ذلك الانسان الذي يحق لى ان أستغل المفردات الحلوة التي يحتويها قاموس حياتنا اللغوي؟
اننى بالفعل