قصة ((حياة بلا حرمان )) من تأليفي

لا يذكر لهذا اليوم تاريخ أو اسم ، كل مايذكره أنه يوم كباقى الأيام ، يُحسب من عمره ، الذى لم يتعد العاشرة بعد..............
يسير بين السيارات ، وفى يديه استقرت أشياء مختلفة كثيرة ، كالمناديل والورود وبعض الجرائد .....
يبيعها لكل سائق وكل راكبى السيارات الفارهة ، بل والمارة فى أحيان كثيرة . يعلم أن هؤلاء الناس لا يشترونها منه لحاجتهم إليها بل شفقة منهم عليه ، بل يعتبرها _ البعض _ صدقة وإحسان يساعدوه بها .
والأغلبية الكثرة لا تشفق عليه ، ولا تشترى منه فقط تغلظ القول معه ، وتبعده عنها بتكبر وتعالى كأنه شئ بغيض يشوه وجوههم، لذا فهو لم يعد يبالى شعوره وإحساسه ، بل لم يعد يبكى كأول يوم أصبح له اسم آخر ....اسم يطلق على من مثله ...... اسم ( أطفال الشوارع ).
اقترب من سيارة رمادية اللون ، وطرق زجاج نافذتها الأمامى ، قائلا:
_مناديل يا بيه
ولكن الرجل تطلع إليه ، دون أن ينبس ببنت شفة ، فقط تطلع إلى وجهه، وعندها تذكر .....تذكر نفس الأمر الذى يتذكره ، عندما يرى طفلا ضائعا .....محروما ......خائفا...
يتذكر بلا معاناة ، حرمانه من طفل يملئ عليه الحياة ، يشعره بالسعادة ،يغمره بالبهجة ويعيد إليه المرح والابتسامة ، طفل يحقق ما تصبو إليه أى نفس ، أى ما يتمناه أى قلب ، يحقق له كلمة يتمناها من قلبه قبل شفتيه ...كلمة واحدة ....كلمة ( بابا )...
تلك الكلمة التى لا يشعر بأهميتها أب إلا عندما يُحرم منها ، ويا ليته كان هو السبب أو العلة .... لكان أهون عليه ولكن الأصعب وقعا على نفسه أنه ليس السبب بل زوجته ، ولأنه يحبها من كل قلبه ، بل ان حبها يسرى فى جسده ودمائه ، ويتخلخل فى كل خلية فيه ، لايمكن أن ينتزع حبها بسهولة ويسر...........
لا يستطيع أن يعيش بدونها أو مع غيرها ، لا يحتمل فكرة مجرد الفكرة أن يتزوج بغيرها من أجل طفل ، اذا لم يكن هناك سبيل الا ان يتبنى طفل لهما ، طفل لاأهل له ، طفل ضائع يبحث عن الاستقرار ، محروم ينبش الأرض عن العطاء بلا حدود ، ليأخذه فى حضنه ، وتحت كنفه ورعايته...
سار فى الشوارع هائما ، يبحث عن طفل ترتاح له نفسه وقلبه ن بحث كثيرا ولم يجد ضالته ، لا لقلتهم بل على العكس هم كالجراد فى الأرض...
ولكنه يبحث عن طفل له مواصفات خاصة ، طفل لم يكتسب صفات الشارع الذميمة . وهاهو اليوم ، فى شارع آخر وأمام طفل آخر ، ونظر أمامه ، فرأى الطفل مازال يطرق على الزجاج ، ففتح له الباب ، قائلا له بصوت حنون:
_ ما اسمك؟!
_ أحمد
_ما اسم والدك ؟!
اندهش الطفل ، ووقف صامتا يحاول جاهدا أن يتذكر ، ثم قال :
_ لا أعرف شئ عن نفسى ولا عن أبى وأمى
صمت (أحمد ) برهة ثم قال :
_ فتحت عينى على الدنيا ، فوجدت نفسى وحيدا فى الشارع ، يرتجف جسدى من قرس البرودة ، وأعانى من حرارة الجو ، ولا مأوى لى إلا....
وصمت (أحمد ) وكأنه شعر بأنه لا فائدة من سرد الباقى ، فأدار ظهره ل(عادل ) وغادر .....
أدار (احمد ) ظهره وفى عينيه استقرت دمعتان ، وتبعه ( عادل ) بعينيه و...فجأة ...
قفز من السيارة ، وأسرع يعدو تجاه ( أحمد) وربت على كتفيه فى رقة وحنان ، فشهق (احمد ) وهو يمسح دمعتاه بطرف ابهامه ، وحاول ان يتفوه ولكن (عادل ) أشار له بالصمت ، فحبس الكلمة فى حلقه ، وعلى وجهه بقيت الدهشة والحيرة ...
أركبه السيارة وانطلق به فرحا ، انطلق به حيث تقبع زوجته الشاحبة . انطلق (عادل ) بنفس هنيئة وراضية وفى قرارة نفسه حمل قرارا حاسما .....قرارا لا عودة فيه ....
بينما جلس ( احمد) منكمش فى مقعده ، تعلو وجهه الدهشة والحيرة وتساؤلات تفوق سنه بكثير ، وهو لا يعلم أنه مقبل على حياة جديدة .... حياة أفضل من ذى قبل .... حياة بلا حرمان.

زائر

قصه اكثر من رائعه
انت حقا مبدع دون اي مبالغه
فهي قصه مؤلمه ونهايتها في منتهي الجمال
بارك الله في موهبتك
ودام تميزك

تسلم اناملك الذهبيه ياحسام

ابداع متواصل

ماذا أرد على هذه الكلمات التي تعجز أي شخص عن الرد عليها
فلا أجد إلا كلمة شكر لكم جميعا وتقبلوا مني أسمى آيات الشكر

تسلم اناملك الذهبيه بجد قصه جميله ورائعه

بارك الله فيك

ياحسام

تسلم ايدك يا حسام قصة رائعة حقا

وبارك الله فيك علي كلماتك الذهبية التي تبعث فينا الامل من جديد

» لم يكن سوى .. !! قصة كانت من تأليفي .
» كلمات ((صمت )) من تأليفي
» الصبح آت يا وطني . . من تأليفي
» قصة أخرى من تأليفي (( الأب ..!!))
» سأراك . . قصيدة من تأليفي